فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف تقي الدين السبكي في الآية:

قوله تعالى: {فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره}.
قال الشيخ الإمام رحمه الله لا شك أن الحل منتف من حين الطلاق الثلاث حتى تنكح ولكن هذه الصيغة لو جاءت في غير هذا المحل كقولك لا يقوم زيد حتى تزول الشمس محتملة معنيين أحدهما أن القيام حتى تزول الشمس منتف وقد لا ينتفي قيام دونه ومأخذ هذا أن حتى متعلقة بالفعل قبل دخول النفي ثم ورد النفي عليه وهو الذي تقتضيه صناعة العربية عند الجمهور في تعليقهم ذلك بالفعل الصريح والثاني أن النفي في جميع الزمان المتصل بالكلام حتى تزول الشمس ومأخذ هذا إما أن يؤخذ فعل من معنى النفي الذي دلت عليه لا كما يفعله بعض النحاة والزمخشري في بعض الأوقات أي انتفاء وإما أن يؤخذ الفعل بقيد كونه منتفيا وهذان الاحتمالان يأتي مثلهما في قولك لا يقوم القوم إلا زيد أحدهما المعنى أن قيام القوم غير زيد منتف إما بقيامهم جميعهم وإما بقيامه والثاني قيامه وعدم قيامهم.
ولم يأت هذان الاحتمالان في سائر تعلقات الفعل من الظروف والحال وغيرهما وإنما هما في الغاية والاستثناء ولا يطرد ذلك في الصفة لأنها متعلقة بالمفرد لا بالنسبة ولا بالشرط وإن تعلق بالنسبة لأن له صدر الكلام انتهى.
ومن كلامه أيضا رحمه الله قوله تعالى حتى تنكح زوجا غيره قال كنت أظن أنه قرينة في إفادة الوطء كقولهم نكح زوجته إذا وطئها، ونكح امرأة إذا عقد عليها.
ثم رجعت عن ذلك وإن كانت القاعدة صحيحة لكن ذلك إذا قال زوجته لدلالة اللفظ على أنها زوجة متقدمة.
أما نكح زوجته فلا بل يصح بمعنى نكح امرأة كقوله من قتل قتيلا فإن قلت قد يقال اشتريت عبدي هذا والمراد العقد فلم لا يقال نكحت زوجتي هذه والمراد العقد قلت إذا أريد الإخبار بأصل الشراء أو أصل النكاح فلا ينبغي أن يقال عبدي ولا زوجتي لخلوه عن الفائدة وإنما يقال اشتريت هذا وتزوجت هذه أو نكحتها وإنما يحسن ذلك إذا أريد الإخبار بأمر زائد كقولك اشتريت عبدي هذا فأنفقت منه كذا أو نكحت زوجتي هذه فحمدت عشرتها فمحط الفائدة هو الثاني انتهى. اهـ.

.قال الفخر:

ظاهر الآية يقتضي أن عندما يطلقها الزوج الثاني تحل المراجعة للزوج الأول، إلا أنه مخصوص بقوله تعالى: {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثلاثة قُرُوء} [البقرة: 228] لأن المقصود من العدة استبراء الرحم، وهذا المعنى حاصل ههنا، وهذا هو الذي عول عليه سعيد بن المسيب في أن التحليل يحصل بمجرد العقد، لأن الوطء لو كان معتبرًا لكانت العدة واجبة، وهذه الآية تدل على سقوط العدة، لأن الفاء في قوله: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا} تدل على أن حل المراجعة حاصل عقيب طلاق الزوج الثاني إلا أن الجواب ما قدمنا. اهـ.

.قال القرطبي:

اختلفوا فيما يكفي من النكاح، وما الذي يبيح التحليل؛ فقال سعيد بن المسيب ومن وافقه: مجرّد العقد كاف وقال الحسن بن أبي الحسن: لا يكفي مجرّد الوطء حتى يكون إنزال. وذهب الجمهور من العلماء والكافّة من الفقهاء إلى أن الوطء كاف في ذلك، وهو التقاء الختانين الذي يوجب الحدّ والغسل، ويفسد الصوم والحجّ ويُحصن الزوجين ويوجب كمال الصداق. قال ابن العربيّ: ما مرت بي في الفقه مسألة أعسر منها، وذلك أن من أُصول الفقه أن الحكم هل يتعلق بأوائل الأسماء أو بأواخرها؟ فإن قلنا: إن الحكم يتعلق بأوائل الأسماء لزِمنا أن نقول بقول سعيد بن المسيب. وإن قلنا: إن الحكم يتعلق بأواخر الأسماء لزمنا أن نشترط الإنزال مع مِغيب الحشفة في الإحلال، لأنه آخر ذوق العُسَيْلة على ما قاله الحسن.
قال ابن المنذر: ومعنى ذوق العسيلة هو الوطء؛ وعلى هذا جماعة العلماء إلا سعيد بن المسيب فقال: أما الناس فيقولون: لا تحل للأوّل حتى يجامعها الثاني؛ وأنا أقول: إذا تزوّجها تزوّجا صحيحًا لا يريد بذلك إحلالها فلا بأس أن يتزوّجها الأوّل. وهذا قول لا نعلم أحدًا وافقه عليه إلا طائفة من الخوارج؛ والسنة مستغنًى بها عما سواها.
قلت: وقد قال بقول سعيد بن المسيب سعيد بن جبير؛ ذكره النحاس في كتاب معاني القرآن له. قال: وأهل العلم على أن النكاح هاهنا الجماع؛ لأنه قال: {زَوْجًا غَيْرَهُ} فقد تقدّمت الزوجية فصار النكاح الجماع؛ إلا سعيد بن جبير فإنه قال: النكاح هاهنا التزوّج الصحيح إذا لم يرد إحلالها.
قلت: وأظنهما لم يبلغهما حديث العسيلة أو لم يصح عندهما فأخذا بظاهر القرآن، وهو قوله تعالى: {حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} والله أعلم. روى الأئمة واللفظ للدارقطنِيّ عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا طلق الرجل امرأته ثلاثًا لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره ويذوق كل واحد منهما عسيلة صاحبه» قال بعض علماء الحنفية: من عقد على مذهب سعيد بن المسيب فللقاضي أن يفسخه؛ ولا يعتبر فيه خلافه لأنه خارج عن إجماع العلماء. قال علماؤنا: ويفهم من قوله عليه السلام: «حتى يذوق كل واحد منهما عسيلة صاحبه» استواؤهما في إدراك لذة الجماع، وهو حجة لأحد القولين عندنا في أنه لو وطئها نائمة أو مغمى عليها لم تحل لمطلقها؛ لأنها لم تذق العسيلة إذ لم تدركها.
الثالثة: روى النسائيّ عن عبد الله قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشِمة والواصلة والمستوصلة وآكل الربا ومؤكِله والمحلِّل والمحلَّل له. وروى الترمذيّ عن عبد الله بن مسعود قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلِّل والمحلَّل له». وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وقد روي هذا الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من غير وجه. والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ منهم عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمر وغيرهم؛ وهو قول الفقهاء من التابعين، وبه يقول سفيان الثوريّ وابن المبارك والشافعيّ ومالك وأحمد وإسحاق، وسمعت الجارود يذكر عن وكَيع أنه قال بهذا، وقال: ينبغي أن يرمى بهذا الباب من قول أصحاب الرأي. وقال سفيان: إذا تزوّج الرجل المرأة ليحلها ثم بدا له أن يمسكها فلا تحِل له حتى يتزوّجها بنكاح جديد.
قال أبو عمر بن عبد البر: اختلف العلماء في نكاح المحلِّل؛ فقال مالك: المحلِّل لا يقيم على نكاحه حتى يستقبل نكاحًا جديدًا؛ فإن أصابها فلها مهر مثلها، ولا تحلها إصابته لزوجها الأوّل؛ وسواء علما أو لم يعلما إذا تزوّجها ليحلها، ولا يقرّ على نكاحه ويفسخ؛ وبه قال الثوريّ والأُوزاعيّ.
وفيه قول ثانٍ روي عن الثوري في نكاح الحيار والمحلّل أن النكاح جائز والشرط باطل؛ وهو قول ابن أبي ليلى في ذلك وفي نكاح المتعة. وروي عن الأُوزاعيّ في نكاح المحلل: بئس ما صنع والنكاح جائز. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: النكاح جائز إن دخل بها، وله أن يمسكها إن شاء. وقال أبو حنيفة مرة هو وأصحابه: لا تحل للأوّل إن تزوّجها ليحلّها، ومرة قالوا: تحل له بهذا النكاح إذا جامعها وطلقها. ولم يختلفوا في أن نكاح هذا الزوج صحيح، وأن له أن يقيم عليه. وفيه قول ثالث قال الشافعيّ: إذا قال أتزوّجِك لأحِلك ثم لا نكاح بيننا بعد ذلك فهذا ضرب من نكاح المتعة، وهو فاسد لا يقرّ عليه ويفسخ؛ ولو وطئ على هذا لم يكن تحليلًا. إن تزوّجها تزوّجا مطلقًا لم يشترط ولا اشترط عليه التحليل فللشافعيّ في ذلك قولان في كتابه القديم: أحدهما مثل قول مالك، والآخر مثل قول أبي حنيفة. ولم يختلف قوله في كتابه الجديد المصريّ أن النكاح صحيح إذا لم يشترط، وهو قول داود.
قلت: وحكى الماورديّ عن الشافعيّ أنه إن شُرط التحليل قبل العقد صح النكاح وأحلها للأوّل، وإن شرطاه في العقد بطل النكاح ولم يحلها للأوّل، قال: وهو قول الشافعيّ. وقال الحسن وإبراهيم: إذا همّ أحد الثلاثة بالتحليل فسد النكاح؛ وهذا تشديد. وقال سالم والقاسم: لا بأس أن يتزوّجها ليحلها إذا لم يعلم الزوجان وهو مأجور؛ وبه قال ربيعة ويحيى بن سعيد، وقاله داود بن عليّ إذا لم يظهر ذلك في اشتراطه في حين العقد.
الرابعة: مدار جواز نكاحِ التحليل عند علمائنا على الزوج الناكح، وسواء شرط ذلك أو نواه؛ ومتى كان شيء من ذلك فسد نكاحه ولم يقرّ عليه، ولم يحلِّل وطؤه المرأةَ لزوجها. وعِلْمُ الزوج المطلِّق وجهلُه في ذلك سواء. وقد قيل: إنه ينبغي له إذا علم أن الناكح لها لذلك تزوّجها أنْ يتنزّه عن مراجعتها، ولا يُحلها عند مالك إلا نكاح رغبةٍ لحاجته إليها، ولا يقصد به التحليل، ويكون وطؤه لها وطأ مباحًا: لا تكون صائمة ولا مُحرِمة ولا في حيضتها، ويكون الزوج بالغًا مسلمًا. وقال الشافعيّ: إذا أصابها بنكاح صحيح وغيب الحشفة في فرجها فقد ذاقا العُسَيْلَة؛ وسواء في ذلك قويّ النكاح وضعيفه، وسواء أدخله بيده أم بيدها، وكان من صبيّ أو مراهق أو مجبوب بقي له ما يغيبه كما يغيب غير الخصيّ، وسواء أصابها الزوج مُحرِمةً أو صائمة؛ وهذا كله على ما وصف الشافعي قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري والأُوزاعي والحسنِ بنِ صالح، وقول بعضِ أصحاب مالك. اهـ.

.قال ابن القيم:

إنما سموه محللا لأنه أحل ما حرم الله فاستحق اللعنة فإن الله سبحانه حرمها على المطلق حتى تنكح زوجا غيره والنكاح اسم في كتاب الله وسنة رسوله للنكاح الذي يتعارفه الناس بينهم نكاحا وهو الذي شرع إعلانه والضرب عليه بالدفوف والوليمة فيه وجعل للإيواء والسكن وجعله الله مودة ورحمة وجرت العادة فيه بضد ما جرت به في نكاح المحلل فان المحلل لم يدخل على نفقه ولا كسوة ولا سكنى ولا إعطاء مهر ولا يحصل به نسب ولا صهر ولا قصد المقام مع الزوجة وإنما دخل عارية كالتيس المستعار للضراب ولهذا شبههبه النبيصلى الله عليه وسلم ثم لعنه فعلم قطعا لا شك فيه أنه ليس هو الزوج المذكور في القرآن ولا نكاحه هو النكاح المذكور في القرآن وقد فطر الله سبحانه قلوب الناس على أن هذا ليس بنكاح ولا المحلل بزوج وأن هذا منكر قبيح وتعير به المرأة والزوج والمحلل والولي فكيف يدخل هذا في النكاح الذي شرعه الله ورسوله وأحبه وأخبر أنه سنته ومن رغب عنه فليس منه.
وتأمل قوله تعالى: {فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا} [البقره: 230] أي فإن طلقها هذا الثاني فلا جناح عليها وعلى الأول أن يتراجعا أي ترجع إليه بعقد جديد فأتى بحرف إن الدالة على أنه يمكنه أن يطلق وأن يقيم والتحليل الذي يفعله هؤلاء لا يتمكن الزوج فيه من الأمرين بل يشرطون عليه أنه متى وطئها فهي طالق ثم لما علموا أنه قد لا يخبر بوطئها ولا يقبل قولها في وقوع الطلاق انتقلوا إلى أن جعلوا الشرط إخبار المرأة بأنه دخل بها فبمجرد إخبارها بذلك تطلق عليه والله سبحانه وتعالى شرع النكاح للوصلة الدائمة وللاستمتاع وهذا النكاح جعله أصحابه سببا لانقطاعه ولوقوع الطلاق فيه فإنه متى وطئ كان وطؤه سببا لانقطاع النكاح وهذا ضد شرع الله وأيضا فإن الله سبحانه جعل نكاح الثاني وطلاقه واسمه كنكاح الأول وطلاقه واسمه فهذا زوج وهذا زوج وهذا نكاح وهذا نكاح وكذلك الطلاق ومعلوم أن نكاح المحلل وطلاقه واسمه لا يشبه نكاح الأول ولا طلاقه ولا اسمه كاسمه ذاك زوج راغب قاصد للنكاح باذل للمهر ملتزم للنفقة والسكنى والكسوة وغير ذلك من خصائص النكاح والمحلل برئ من ذلك كله غير ملتزم لشئ منه.
وإذا كان الله تعالى ورسوله قد حرم نكاح المتعة مع أن قصد الزوج الاستمتاع بالمرأة وأن يقيم معها زمانا وهو ملتزم لحقوق النكاح فالمحلل الذي ليس له غرض أن يقيم مع المرأة إلا قدر ما ينزو عليها كالتيس المستعار لذلك ثم يفارقها أولى بالتحريم.
وسمعت شيخ الإسلام يقول: نكاح المتعة خير من نكاح التحليل من عشرة أوجه:
أحدها: أن نكاح المتعة كان مشروعا في أول الإسلام ونكاح التحليل لم يشرع في زمن من الأزمان.
الثاني أن الصحابة تمتعوا على عهد النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ولم يكن في الصحابة محلل قط.
الثالث: أن نكاح المتعة مختلف فيه بين الصحابة فأباحه ابن عباس وإن قيل: إنه رجع عنه وأباحه عبدالله بن مسعود ففي الصحيحين عنه قال: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لنا نساء فقلنا: ألا نختصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم قرأ عبدالله: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} وفتوى ابن عباس بها مشهورة.
قال عروة: قام عبدالله بن الزبير بمكة فقال: إن ناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة: يعرض بعبدالله بن عباس فناداه فقال: إنك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال له ابن الزبير: فجرب نفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك.
فهذا قول ابن مسعود وابن عباس في المتعة وذاك قولهما وروايتهما في نكاح التحليل.
الرابع: أن رسول اللهصلى الله عليه وسلملم يجئ عنه في لعن المستمتع والمستمتع بها حرف واحد وجاء عنه في لعن المحلل والمحلل له وعن الصحابة: ما تقدم.
الخامس: أن المستمتع له غرض صحيح في المرأة ولها غرض أن تقيم معه مدة النكاح فغرضه المقصود بالنكاح مدة والمحلل لا غرض له سوى أنه مستعار للضراب كالتيس فنكاحه غير مقصود له ولا للمرأة ولا للولي وإنما هو كما قال الحسن: مسمار نار في حدود الله وهذه التسمية مطابقة للمعنى.
قال شيخ الإسلام: يريد الحسن: أن المسمار هو الذي يثبت الشئ المسمور فكذلك هذا يثبت تلك المرأة لزوجها وقد حرمها الله عليه.
السادس: أن المستمتع لم يحتل على تحليل ما حرم الله فليس من المخادعين الذين يخادعون الله كأنما يخادعون الصبيان بل هو ناكح ظاهرا وباطنا والمحلل ماكر مخادع متخذ آيات الله هزوا ولذلك جاء في وعيده مالم يجئ في وعيد المستمتع مثله ولا قريب منه.
السابع: أن المستمتع يريد المرأة لنفسه وهذا سر النكاح ومقصوده فيريد بنكاحه حلها له ولا يطؤها حراما والمحلل لا يريد حلها لنفسه وإنما يريد حلها لغيره ولهذا سمي محللا فأين من يريد أن يحل له وطئ امرأة يخاف أن يطأها حراما إلى من لا يريد ذلك وإنما يريد بنكاحها أن يحل وطأها لغيره فهذا ضد شرع الله ودينه وضد ما وضع له النكاح.
الثامن: أن الفطر السليمة والقلوب التي لم يتمكن منها مرض الجهل والتقليد تنفر من التحليل أشد نفار وتعير به أعظم تعيير حتى إن كثيرا من النساء تعير المرأة به أكثر مما تعيرها بالزنا ونكاح المتعة لا تنفر منه الفطر والعقول ولو نفرت منه لم يبح في أول الإسلام.
التاسع: أن نكاح المتعة يشبه إجارة الدابة مدة للركوب وإجارة الدار مدة للانتفاع والسكنى وإجارة العبد للخدمة مدة ونحو ذلك مما للباذل فيه غرض صحيح ولكن لما دخله التوقيت أخرجه عن مقصود النكاح الذي شرع بوصف الدوام والاستمرار وهذا بخلاف نكاح المحلل فإنه لا يشبه شيئا من ذلك ولهذا شبهه الصحابة رضي الله عنهم بالسفاح وشبهوه باستعارة التيس للضراب.
العاشر: أن الله سبحانه نصب هذه الأسباب كالبيع والإجارة والهبة والنكاح مفضية إلى أحكام جعلها مسببات لها ومقتضيات فجعل البيع سببا لملك الرقبة والإجارة سببا لملك المنفعة أو الانتفاع والنكاح سببا لملك البضع وحل الوطء والمحلل مناقض معاكس لشرع الله تعالى ودينه فإنه جعل نكاحه سببا لتمليك المطلق البضع وإحلاله له ولم يقصد بالنكاح ما شرعه الله له من ملكه هو للبضع وحله له ولا له غرض في ذلك ولا دخل عليه وإنما قصد به أمرا آخر لم يشرع له ذلك السبب ولم يجعل طريقا له.
الحادي عشر: أن المحلل من جنس المنافق فإن المنافق يظهر أنه مسلم ملتزم لعقد الإسلام ظاهرا وباطنا وهو في الباطن غير ملتزم له وكذلك المحلل يظهر أنه زوج وأنه يريد النكاح ويسمى المهر ويشهد على رضى المرأة وفي الباطن بخلاف ذلك ولا القيام بحقوق النكاح وقد أظهر خلاف ما أبطن وأنه مريد لذلك والله يعلم والحاضرون والمرأة وهو والمطلق: أن الأمر كذلك وأنه غير زوج على الحقيقة ولا هي امرأته على الحقيقة.
الثاني عشر: أن نكاح المحلل لا يشبه نكاح أهل الجاهلية ولا نكاح أهل الإسلام فكان أهل الجاهلية يتعاطون في أنكحتهم أمورا منكرة ولم يكونوا يرضون نكاح التحليل ولا يفعلونه ففي صحيح البخاري عن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها أخبرته: أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء: فنكاح منها نكاح الناس اليوم: يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها ونكاح آخر: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها: أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه فيعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع ونكاح آخر: يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومر ليالي بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها فتقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان تسمى من أحبت باسمه فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع منه ونكاح رابع: يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها ودعوا لهم القافة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاط به ودعى ابنه لا يمتنع من ذلك فلما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم.
ومعلوم أن نكاح المحلل ليس من نكاح الناس الذي أشارت إليه عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقره ولم يهدمه ولا كان أهل الجاهلية يرضون به فلم يكن من أنكحتهم فإن الفطر والأمم تنكره وتعير به. اهـ.